في التاسع من كانون الأول الجاري، أعلنت هيئة تحرير الشام انتصارها في سوريا وإسقاط نظام بشار الأسد، مما يُمثل بداية مرحلة جديدة من العمل على استقرار البلاد وإعادة دورها المحوري في المنطقة. وفي تصريحات أدلى بها رئيس الهيئة، أحمد الشرع، أكد أن هذا الانتصار كان ضربة للمشروع الإيراني الذي كان يُهدد المنطقة بأسرها. كما أشار إلى أن الهيئة فضّلت عدم استهداف القواعد الروسية لتجنب التصعيد والحفاظ على التوازن الإقليمي. وأوضح أيضًا أن المواجهة مع إسرائيل ليست على أجندة الهيئة في الوقت الراهن، مبرزًا أهمية بناء علاقات إقليمية تسهم في تحقيق الاستقرار.
تصريحات الشرع بشأن الانتصار على المشروع الإيراني تُشير إلى تحوّل في موازين القوى الإقليمية، حيث كان النفوذ الإيراني أحد العوامل الرئيسية التي ساهمت في زعزعة الاستقرار داخل سوريا ودول الجوار. تقليص هذا النفوذ قد يخفف من التوترات الطائفية، مما يُفسح المجال لإعادة بناء الهوية الوطنية السورية. على الصعيد الإقليمي، يمكن أن يُشجع هذا التطور دول الخليج وتركيا على تقديم دعم أكبر لجهود إعادة الإعمار والاستقرار.
أما بالنسبة للعلاقة مع روسيا، فإن تجنب استهداف القواعد الروسية يُظهر سياسة براغماتية من قبل هيئة تحرير الشام تهدف إلى الحفاظ على استقرار العلاقات مع أحد اللاعبين الدوليين الرئيسيين في سوريا. هذا التوجه قد يُجنب البلاد الدخول في صراع طويل مع روسيا، مما يُسرّع جهود إعادة الإعمار، وقد يدفع موسكو إلى لعب دور إيجابي في تسهيل العملية الانتقالية أو دعم الاقتصاد السوري إذا ضُمنت مصالحها الاستراتيجية.
وفيما يتعلق بالموقف من إسرائيل، فإن تصريحات الشرع بأن المواجهة معها ليست من أولويات الهيئة تُبرز تحولًا في الأولويات نحو إعادة بناء الداخل بدلاً من الانخراط في صراعات خارجية. هذا النهج قد يتيح تركيز الموارد على تحسين الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة وإعادة إعمار المدن المدمرة. كما أن هذا الاعتدال قد يُشجع دول الجوار، مثل الأردن ومصر، على التعاون مع سوريا في مجالات الأمن والاقتصاد.
تصريحات الشرع تعكس فهمًا لأهمية التعاون الإقليمي لتحقيق الاستقرار. فإعادة بناء سوريا تتطلب شراكات مع الدول المحيطة، حيث يمكن لتركيا أن تلعب دورًا أساسيًا في دعم البنية التحتية وإعادة تأهيل اللاجئين، بينما قد تقدم دول الخليج دعمًا ماليًا كبيرًا لإعادة الإعمار إذا ضمنت غياب النفوذ الإيراني. أما الأردن والعراق، فقد يسهمان في فتح الحدود للتجارة وتعزيز الاستقرار الأمني.
في المجمل، يبدو أن هيئة تحرير الشام تسعى للتحول من حركة عسكرية إلى جهة سياسية تدرك تعقيدات المشهد الإقليمي والدولي. التركيز على بناء علاقات متوازنة وتجنب النزاعات غير الضرورية قد يُساهم في تعزيز استقرار سوريا والمنطقة. ومع ذلك، تواجه سوريا تحديات كبيرة، منها إعادة بناء مؤسسات الدولة وصياغة دستور جديد وتحقيق مصالحة وطنية شاملة. نجاح الهيئة في إدارة هذه المرحلة قد يعيد لسوريا دورها كعامل استقرار إقليمي، بدلاً من كونها ساحة صراع بين القوى الدولية والإقليمية.