1. مقدمة عن حق تقرير المصير:
حق تقرير المصير هو مبدأ أساسي في القانون الدولي يسمح للشعوب بتحديد مصيرها واختيار شكل الحكم الذي يناسبها بحرية، سواء كان ذلك بالاستقلال الكامل، الحكم الذاتي، أو الاندماج في دولة أخرى. ينص ميثاق الأمم المتحدة في المادة 1 (البند 2) على أن “تطوير العلاقات الودية بين الدول يستند إلى احترام مبدأ الحقوق المتساوية وتقرير المصير للشعوب”. هذا الحق يتم تطبيقه في حالات الاستعمار أو الاضطهاد أو التمييز العرقي والديني.
تاريخيًا، استفادت العديد من الشعوب والدول من حق تقرير المصير للوصول إلى الاستقلال، سواء عبر الطرق السلمية أو المسلحة. وسوف ندرس هنا بعض النماذج التي حصلت على الاستقلال بطريقة سلمية وأخرى بعد حروب، ثم نحلل إمكانية تطبيق حق تقرير المصير على القضية الأحوازية.
2. أبرز الدول التي نالت استقلالها بطريقة سلمية:
1. غانا (1957)
• المراحل: نالت غانا استقلالها عن بريطانيا بطريقة سلمية بقيادة كوامي نكروما وحزب الاتفاقية الشعبية. كان النضال في غانا سياسيًا أكثر من كونه عسكريًا، وتركز على الاحتجاجات السلمية والدعوات للإصلاح.
• الوسيلة: المفاوضات والضغط السياسي.
• النتيجة: حصلت على الاستقلال في 1957، لتصبح أول دولة إفريقية جنوب الصحراء الكبرى تحصل على استقلالها من قوة استعمارية.
2. الهند (1947)
• المراحل: نضال الهند كان بقيادة المهاتما غاندي من خلال حركة العصيان المدني والنضال السلمي ضد الاحتلال البريطاني.
• الوسيلة: العصيان المدني والمفاوضات السياسية.
• النتيجة: حصلت الهند على استقلالها في عام 1947 من دون خوض حرب شاملة، رغم وجود العنف الذي صاحب تقسيم البلاد بين الهند وباكستان.
3. زامبيا (1964)
• المراحل: قاد كينيث كاوندا الحركة الوطنية للاستقلال في زامبيا دون اللجوء إلى العنف المسلح، حيث كانت حركة سياسية سعت للتفاوض مع الحكومة البريطانية للحصول على الاستقلال.
• الوسيلة: المفاوضات مع المستعمر البريطاني.
• النتيجة: نالت زامبيا استقلالها عام 1964 دون نزاع مسلح.
4. الكويت (1961)
• المراحل: حصلت الكويت على استقلالها عبر اتفاق سياسي بين الشيخ عبد الله السالم الصباح وبريطانيا. لم تكن هناك حاجة لنزاع مسلح، حيث فضلت بريطانيا منح الاستقلال بشكل سلس.
• الوسيلة: مفاوضات.
• النتيجة: نالت استقلالها في 1961.
3. أبرز الدول التي نالت استقلالها بعد حروب:
1. الجزائر (1962)
• المراحل: كانت الجزائر مستعمرة فرنسية منذ عام 1830. في 1954، انطلقت حرب تحرير الجزائر بقيادة جبهة التحرير الوطني، والتي استمرت حتى 1962 وأسفرت عن استقلال الجزائر بعد مفاوضات طويلة مع فرنسا.
• الوسيلة: حرب مسلحة استمرت ثماني سنوات.
• النتيجة: الاستقلال في 1962 بعد مفاوضات واتفاقيات مع فرنسا.
2. فيتنام (1975)
• المراحل: بدأت مقاومة الاستعمار الفرنسي منذ بداية القرن العشرين، وبلغت ذروتها في حرب فيتنام ضد الفرنسيين ثم ضد الولايات المتحدة. كان النضال طويلًا وشاقًا، ومرت فيتنام بمراحل من الصراع حتى انسحاب القوات الأمريكية في 1975.
• الوسيلة: حرب طويلة ضد الاحتلال الفرنسي والأمريكي.
• النتيجة: استقلال فيتنام وتوحيدها في 1975.
3. إريتريا (1993)
• المراحل: خاضت إريتريا حرب تحرير طويلة ضد إثيوبيا بدأت في 1961. استمرت هذه الحرب حتى سقوط نظام منغستو هيلا مريام في إثيوبيا في 1991، وبعد ذلك تم تنظيم استفتاء في إريتريا بإشراف الأمم المتحدة في 1993، حيث صوت الشعب لصالح الاستقلال.
• الوسيلة: نضال مسلح ضد إثيوبيا، تلاه استفتاء شعبي.
• النتيجة: الاستقلال في 1993.
4. جنوب السودان (2011)
• المراحل: خاض جنوب السودان حربًا طويلة ضد شمال السودان منذ الستينيات. تم توقيع اتفاقية سلام في 2005 التي منحت الجنوب الحكم الذاتي، وأدت في النهاية إلى إجراء استفتاء شعبي في 2011 حيث صوتت الأغلبية الساحقة لصالح الاستقلال.
• الوسيلة: حرب أهلية طويلة تلتها مفاوضات واتفاق سلام.
• النتيجة: نال جنوب السودان استقلاله في 2011.
4. إسقاط النماذج على القضية الأحوازية:
القضية الأحوازية تتعلق بالسعي إلى استقلال إقليم الأحواز العربي الذي يقع تحت السيطرة الإيرانية منذ عام 1925. يعتبر الأحوازيون أن لهم الحق في تقرير المصير بناءً على تاريخهم وهويتهم العربية، وقد واجهوا قمعًا طويلًا من الحكومة الإيرانية. هنا يمكننا إسقاط النماذج السابقة على قضيتهم، مع بعض الدروس المستفادة:
1. النموذج السلمي:
• غانا والكويت: يمكن للأحواز الاستفادة من النموذجين الغاني والكويتي عبر التركيز على النضال السلمي وتقديم قضيتهم في المحافل الدولية، والسعي لكسب تأييد القوى الكبرى والمنظمات الدولية.
• التحديات: إيران من الأنظمة التي تواجه حركات التحرر بالقمع، مما يصعب تحقيق الاستقلال عبر الوسائل السلمية فقط، لكن مع الضغوط الدولية والعزلة التي قد تواجهها إيران، قد تكون هناك فرصة للتفاوض.
2. النموذج المسلح:
• الجزائر وإريتريا: إذا قرر الأحواز اتباع النموذج الجزائري أو الإريتري، قد يحتاجون إلى خوض نضال مسلح طويل، مع الأخذ في الاعتبار أهمية الحصول على دعم إقليمي ودولي.
• التحديات: إيران تعتبر سلطة عسكرية، والدخول في مواجهة مسلحة معها سيؤدي إلى تكاليف بشرية ومادية كبيرة. كما أن المجتمع الدولي يفضل الحلول السلمية في هذه الفترة.
3. الدور الدولي:
• جنوب السودان: على الأحوازيين الاستفادة من دعم المجتمع الدولي والمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، كما حدث مع جنوب السودان، حيث ساهمت الضغوط الدولية في النهاية في تحقيق الاستقلال عبر استفتاء.
• التحديات: إيران ليست على استعداد لإجراء استفتاء على تقرير المصير في الأحواز، لذلك سيحتاج الأحوازيون إلى ضغط دولي كبير وتوافق بين القوى الكبرى لتحقيق ذلك.
5. الاستنتاجات والتوصيات للقضية الأحوازية:
1. النضال السلمي والدبلوماسي: يُعد الخيار الأكثر واقعية هو استخدام الوسائل السلمية والدبلوماسية للحصول على دعم المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية. يُنصح الأحوازيون بتشكيل حكومة في المنفى أو ممثلية دولية لتعزيز قضيتهم في المحافل الدولية.
2. دور الإقليم: يمكن للأحوازيين الاستفادة من التأييد الإقليمي من الدول العربية المجاورة التي قد تدعم حقهم في تقرير المصير بناءً على هويتهم العربية.
3. الضغط الدولي: تفعيل الضغوط الدولية على إيران فيما يتعلق بحقوق الإنسان والتمييز ضد الأقليات قد يساهم في دفع القضية الأحوازية للأمام. يجب أن تكون هناك استراتيجية لحشد الدعم من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.
4. العمل الجماعي: تعزيز الوحدة بين الفصائل الأحوازية المختلفة لتشكيل جبهة واحدة هو أمر حيوي لضمان النجاح، سواء كان النضال سلميًا أو مسلحًا.
ختامًا، يمكن للأحواز الاستفادة من تجارب الشعوب الأخرى في تحقيق الاستقلال، عبر الجمع بين النضال السلمي والدبلوماسي مع دعم دولي قوي، مع الحفاظ على حق تقرير المصير كمرجعية قانونية.
دراسات – وكالة الأحواز للأنباء