يتسم المشهد السياسي في الشرق الأوسط بتعقيدات متشابكة تركز على التحالفات الغامضة والسياسات المتناقضة للقوى الكبرى. واحدة من أبرز هذه السياسات هي الدور الإيراني المتنامي، الذي يتضمن تشكيل مليشيات في العراق، سوريا، لبنان، واليمن بدعم وتسامح دولي. في المقابل، الدول العربية تواجه قيودًا وضغوطًا كبيرة تمنعها من تشكيل قوات مماثلة. في هذا السياق، نشهد أيضًا تطورًا في التحالفات بين الولايات المتحدة وإيران في مناسبات معينة، إضافةً إلى التصعيد الحالي بين إسرائيل وحزب الله والتهديدات بضرب المفاعلات النووية الإيرانية، ما يعمّق التوترات في المنطقة.
الدعم الدولي لإيران وتكوين المليشيات مقابل القيود على الدول العربية
على الرغم من أن إيران تواصل بناء وتوسيع نفوذها في المنطقة عبر دعمها لوكلائها من المليشيات، نجد أن المجتمع الدولي، خاصة الولايات المتحدة، يغض الطرف عن هذه التحركات. المليشيات الشيعية المدعومة من إيران، مثل الحشد الشعبي في العراق وحزب الله في لبنان، أصبحت قوى فاعلة تمثل نفوذًا إيرانيًا مباشرًا في تلك الدول. في المقابل، لا يُسمح للدول العربية باتباع نفس النموذج، وتواجه ضغوطاً دولية شديدة إذا حاولت تشكيل قوى عسكرية مماثلة.
إيران استفادت من الغطاء الطائفي لتعزيز شرعيتها في دعم هذه المليشيات، حيث تقدم نفسها كحامية للشيعة في مواجهة ما تصفها “بالمؤامرات السنية”. هذه الاستراتيجية تمنح إيران فرصة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية دون أن تواجه مقاومة قوية من القوى الكبرى، التي ترى في هذه التحركات عامل استقرار نسبي في مواجهة الحركات الجهادية السنية المتطرفة.
التحالف الأمريكي-الإيراني في إسقاط طالبان وصدام حسين
تعد العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران من أبرز الأمثلة على التناقض في السياسات الإقليمية. على الرغم من الخطاب العدائي بين الدولتين، نجد أن هناك محطات تاريخية من التعاون الضمني أو غير المباشر. أبرز مثال على ذلك هو التحالف الضمني بين واشنطن وطهران في إسقاط نظام طالبان في أفغانستان عام 2001 ونظام صدام حسين في العراق عام 2003.
في أفغانستان، قدمت إيران دعمًا لوجستيًا واستخباراتيًا للقوات الأمريكية، ما سهل سقوط طالبان، التي كانت تُعتبر تهديدًا إقليميًا لإيران. وفي العراق، استفادت إيران من سقوط نظام صدام حسين، حيث أصبح العراق ساحة مفتوحة لتوسيع نفوذها، خصوصًا من خلال دعم المليشيات الشيعية التي تحظى بتأييد طهران. هذا التعاون المصلحي بين الولايات المتحدة وإيران يُظهر التناقض في سياسات واشنطن، حيث تستفيد من إيران في سياقات معينة بينما تتظاهر بمواجهتها في سياقات أخرى.
التصعيد الحالي بين إسرائيل وحزب الله والتهديدات الإيرانية
اليوم، نشهد تصاعداً في التوترات بين إسرائيل وحزب الله في جنوب لبنان. إسرائيل، التي تشعر بقلق متزايد من نفوذ إيران المتزايد عبر وكلائها، خاصة حزب الله، كثفت عملياتها العسكرية ضد مواقع الحزب في الجنوب اللبناني. هذا التصعيد يأتي في سياق التهديد الإسرائيلي بضرب المنشآت النووية الإيرانية، ما يضع المنطقة على حافة حرب إقليمية واسعة.
على الرغم من العداء المعلن بين إيران وإسرائيل، تشير تحليلات إلى أن هناك حدودًا معينة للتصعيد بينهما، حيث تلعب التحالفات الإقليمية دورًا رئيسيًا في ضبط النزاعات. بينما تُهدد إسرائيل باستهداف المفاعلات النووية الإيرانية، فإنها في نفس الوقت تراقب التحركات الإيرانية في المنطقة بحذر، خشية من أي رد فعل قوي من حزب الله، الذي يُعتبر أقوى ذراع عسكري لإيران في لبنان.
ترابط الأحداث والتحالفات في الشرق الأوسط
ما يربط بين كل هذه الأحداث هو الاستراتيجية الإيرانية المتمثلة في توسيع نفوذها عبر وكلائها في المنطقة واستفادة الولايات المتحدة وإسرائيل من هذا التمدد في بعض الأحيان، بينما تعارضه في أوقات أخرى. تعاون واشنطن مع طهران في إسقاط طالبان وصدام حسين قد يبدو في ظاهره تحالفًا مصلحيًا مؤقتًا، لكنه يسلط الضوء على كيفية إدارة القوى الكبرى لتوازن القوى في المنطقة.
اليوم، نشهد أن إيران تستخدم وكلاءها لتشكيل خطوط دفاع أولى ضد أي تدخل إسرائيلي أو أمريكي مباشر. في الوقت نفسه، يظل السؤال مطروحاً حول مدى جدية إسرائيل في تنفيذ تهديداتها ضد المنشآت النووية الإيرانية، خاصة في ظل تصاعد التوتر مع حزب الله. احتمال حدوث تصعيد شامل يعتمد على كيفية تعامل الأطراف مع هذه الصراعات المتشابكة والمصالح المتضاربة.
الخلاصة والتوقعات المستقبلية
من الواضح أن السياسات الإقليمية في الشرق الأوسط تتجه نحو مزيد من التعقيد والتشابك، حيث تتداخل التحالفات والمصالح بشكل يصعب الفصل بينه. إيران تستمر في لعب دور رئيسي في زعزعة الاستقرار الإقليمي من خلال مليشياتها المسلحة، بينما تستفيد في بعض الأحيان من التسامح الغربي والدولي، مثلما رأينا في تعاونها مع الولايات المتحدة في إسقاط نظامي طالبان وصدام حسين. التصعيد الحالي بين إسرائيل وحزب الله، إلى جانب التهديدات بضرب المنشآت النووية الإيرانية، يعمق التوترات الإقليمية ويضع المنطقة أمام احتمال اندلاع حرب شاملة.
في النهاية، يبدو أن التحالفات الإقليمية الحالية، سواء كانت معلنة أو غير معلنة، ستستمر في تشكيل مستقبل الشرق الأوسط، حيث تعتمد القوى الكبرى على إدارة النزاعات بما يخدم مصالحها، حتى لو أدى ذلك إلى تفاقم الأوضاع الداخلية في الدول العربية والإسلامية.
وكالة الأحواز للأنباء